الشباب ثروة لا تقدر بثمن

لقد مرت بلادي الجزائر في فترة قصيرة جدا بعدة أحداث و غرائب جعلتني أستخلص عدة صور منها صورة لشباب مؤهل للعطاء و البناء و لكن شاءت الأوضاع أن تجعل منه أداة للتهديم و التحطيم.
ما جعلني أضع علامات استفهام أبحث عن حلولها، هل الشباب ثروة لا تقدر بثمن أو هو معضلة تهز كيان المجتمع ؟.
فبعد التفحص و الفحص و النظر وجدت أنه علي أن أتطرق إلى عدة جوانب، الجانب الاجتماعي، الجانب النفساني، الجانب التربوي. و الجانب السياسي و هو الأهم.
فمن الناحية الاجتماعية: لحضت تغير كبير جدا فبعد أن غادر الاستعمار الفرنسي الغاشم و المستعبد الحاقد أرض بلادي الجزائر ترك شعب معظمه أمي حتى لهجته مسخها الاستعمار و لكن متماسك بأصالته و بكيانه. خرج الاستعمار و ترك مجتمع متكافئ و متساوي، لا وجود لطبقات أعتقد أنها تلك أعدل و أروع حياة اجتماعية عايشها الشعب و خاصة الشباب.
مرت بعض السنين فظهرت الفوارق الاجتماعية بكل أصنافها و سقطت الطبقة الوسطى الكادحة و أدرجت في طبقة الفقراء و هي كثيرة العدد بفعل سياسة عرجاء.
بلد غني جدا بالثروة الشبابية و لكن فقير جدا بالسواعد الشبابية

من الناحية النفسانية: خلقت السياسة العرجاء كما أطلق عليها، الشباب تائه في دائرة مفرغة لا يعرف الحقيقة من الكذب علموه تاريخ كاذب و خرافات اصطنعها البعض لمصالح شخصية، ابتعد عن أصله و ذهب يبحث عن كيانه لعله يعثر عليه في مكان آخر، كالغراب الذي قلد الحمامة في مشيتها فنسي مشيته، فاستخلص أنه مخلوق تابع و غير نافع، كسرت طموحاته في بلده و شكك في لغته (أنها لا تنفع إلا للأدب و الشعر) و إذا أراد أن يبتكر و يبدع عليه بالهجرة إلى بلد نافع و عادل كما عليه أن ينسخ نفسه غراب عاقل.

أما الجانب التربوي: فإني أتذكر أيام دراستي في السبعينات كنا نحترم المعلم و نخافه أكثر من آبائنا و لم أرى تغيبا من طرفه أو زملائه طيلة العام الدراسي و قانون صارم داخل المدرسة.
إلا أن تغيرت الأحوال فصار التلميذ و الطالب أداة للتجارب كل مرة برنامج جديد و دروس جديدة و مواضيع تحذف و أخرى تدمج أصبحت المنظومة التعليمية "شخشوخة " فإني أتذكر تلك التغيرات في حياتي الدراسية مما جعل في إحساس بالتغيير كلما جاءت حكومة جديدة. كما أتذكر يوم كنت في صف السنة الأولى متوسط أنشئت مدرسة للتعليم الأساسي على مقربة من مدرستنا و هي مدرسة تجريبية فبدل أن ينتقل التلميذ من التعليم الابتدائي إلى المتوسط و يدرس أربعة سنوات ثم ينتقل إلى الثانوي، يدرس من السابعة أساسي إلى التاسعة أساسي ثلاث سنوات و ينتقل إلى الثانوي يربح عاما كاملا.
أتذكر النتائج الباهرة التي تتحصل عليها تلك المدرسة و الفارق شاسع بينهم و بيننا، و في السنة الأولى ثانوي أين يلتقي الجمعان انكشف المستور فهو ليس إلا سياسة عرجاء ضحيتها جيل بأكمله أين نزلت نقاط كل تلاميذ التعليم الأساسي أمام التعليم المتوسط فجلهم إما طرد و إما أعاد السنة.

أما الجانب السياسي: و هو الأهم في الموضوع لم تكن سياسة واضحة لها أبعاد و أهداف صائبة و إنما هي خدع هزت كيان ثقة الفرد بالمجتمع، فمفهوم الملك العام عند الشباب ليس له معنا فإما ملكه الخاص أو لا شيء. كما أنشئت سياسة الفوارق فهنا من هو ابن شهيد و مجاهد و ابن مجاهد أو ذوي الحقوق كما يوصفون و هم يتمتعون بحق السكن و العمل و مزايا أخرى أما باقي الشباب الشعب مقصى ذنبه أن أباه لم يمت شهيد أو سجل نفسه كمجاهد لأنه أراد أن يفوز بالجهاد يوم لقاء ربه. كما عمت الرشوة و المعرفة و التهميش "الحقرة" في أوساط المجتمع جعلت الشباب يجزم أن لا مستقبل له في هاته البلد فإذا أراد أن يتعبد فالدول الكافرة أرحم و أعدل و إذا أراد أن يعمل فالدولة الكافرة أرحم و أعدل و إذا أراد أن يتعلم فالدول الكافرة أرحم و أعدل.
أما دولته و مجتمعه همجي لا يصلح إلا للهدم و السرقة و التبعية و لا شيء...
سياسة هدفها لا يتماشى و واقعها.
شباب مخدر بفكرة الهجرة و شعاره " الحرقة أو الموت" أي الهجرة السرية أو الموت، ففي نظره كل الأواب الدنيا مغلقة في وجهه و مفتاحها الهرب إلى المجهول إلى أن يجد المكتوب أو البحث عن بديل يفرغ المكبوت مهما كانت المخاطر.

فالشباب حقا ثروة نافعة و لكن هي معضلة ليس لها حل إلا عن طريق حكمة تنفذها سياسة هادفة تضع كل اهتماماتها بالشباب و الأهم عند الشاب أن يجد العمل القار و المسكن الواسع في بلده يحس أنه عنصر فعال فيها يحبها و يحافظ عليها.